النوازل الفقهية كثيرة ومعروفة في تاريخ مجتمعنا الموريتاني وقد تناولت معظم جوانب حياتنا البدوية وبداية دخول الحياة المعاصرة و قد اشتهرت نوازل العلامة سيد عبد الله ولد الحاج ابراهيم والشيخ محمد المامي وغيرهما من كبار العلماء بالتنوع والتوسع في الموضوعات حتي وصل الأمر إلي أدق التفاصيل في الحياة العامة والسلوك الإجتماعي وكانت نوازل المستعمر مدار جدل فقه سياسي جديد، لكن فقهاء اليوم أسقط بعضهم ذالك التدرج التاريخي في مواكبة الشأن العام فقهيا وشرعيا وإنارة الرأي العام حول مستجدات سلوك الأشخاص .
وترك الحبل علي القارب بلا رادع ولا وازع . نازلة اليوم أطرحها علي الفقهاء والعقلاء :
هل تجوز المتاجرة بإلإنسحاب من الأحزاب ؟ وكم نصيب الحزب الذي ينسحب منه البائع ؟ وما ذنب المشتري في ذلك؟ النوازل في اللغة من النزول أو الحلول وهي أمور تنزل بالناس وتصيب الأفراد من نوائب الدهر ومن أمثلتها: الوباء والقحط و الفتن وماشابه.......... وفي الإصطلاح ( هي المسألة الطارئة علي المجتمع بسبب توسع المعاملات والتي لايوجد نص تشريعي مباشر بشأنها) والنوازل بهذا العني تشمل جميع الحوادث التي تحتاج لفتوي تبينها للناس.
لهذا ينصرف الذهن عند إطلاق لفظ النازلة إلي حادث مستجد لم تعرفه الناس من قبل ،ولم يتطرق إليه الفقهاء والواقع الموريتاني اليوم مليء بالوقائع والأحداث الطارئة والمستحدثة من عادات وتقاليد وقيم وسلوكيات ، والسياسة أكثر فنون الحياة حيوية وتفاعلا مع المجتمع والتراث، وفي الإسلام لافصل بين الدين والسياسة بل العلاقة بينها قوية ومتداخلة بحيث لايمكن الفصل بين عقيدة المسلم وممارسته .
والعلماء مطالبون بشرح أمور الدين كما كان أسلافهم يفعلون .
ظواهر مشينة: تملق ونفاق معلن ومتاجرة بالمواقف والقيم ونقض للعهود والمساومة علي الكرامة الفردية والجماعية ،.مسلكيات كرسها واقع محبط ووضع سياسي متردي وأنظمة عسكرية إستبدادية وأمية مترسبة وفقر مدقع .
يحدث ذلك كل أسبوع وكل شهر وكل سنة ، الخداع والكذب والمتاجرة في الذمم أصبحت محمودة وتقام لها الإحتفالات ويفخر بها من يمارسها في غفلة من الفقه والشرع والدين وحتي الإعلام.
لايخفي علي أحد أن مجتمعنا يمر بمنعطف خطير في تاريخه ويعاني تحولا هائلا في مسيرته ، والواقع أننا يجب أن نعيش تحولاً لا خيار فيه للحاكم ، ولا مناص من حتميته. وفي ما يبدو أن المسألة عصرية قبل أن تكون شرعية، لأن التغيير الذي يطال أجزاء من العالم العربي الآن بزلازل الثورات هو جزء من سنة الله - تعالى في خلقه، لقد بلغ الظلم والاستبداد والقهر حدّاً ليس من طبيعة الأمور أن تظل الشعوب صابرة عليه وساكتة عنه أكثر من ذلك، وهذا ما غفلت عنه الأنظمة التي ركبت ظهر الشعب الموريتاني دهراً طويلاً ، إن الحاكم الذي يَحرُم الخروج عليه وتجب له الطاعة وتتنزل النصوص المحدِّدة لواجباته تجاه الأمة ولحقوقه عليها: هو الحاكم الذي يكتسب شرعيته من مصدرين لا غنى عنهما: الأول: أن يُختار من الأمة وأن يُولَّى عليها بطريق شرعي، والثاني: أن يحكم في الأمة بكتاب الله وشريعته، فهذان الشرطان لشرعية الحاكم، مفقودان لدي من حكمنا ويحكمنا حتي الآن .
إن الشعوب بواسطة المظاهرات والمسيرات والإعتصامات وماشابه من وسائل وأدوات التعبير أو الرفض والضغط كفيلة بتحقيق التغيير المنشود ، لكن دور العلماء مطلوب لإحقاق الحق ومحاصرة الباطل وأعوانه وأساليبه الكثيرة في تدجين المجتمع وهدم أسس ثقافته وقيمه و سلوكيات أفراده .
مايقوم به بعض "المتخلفين من الأحزاب" حين ينفصلون عن أحزابهم:
بهرجة إعلامية مضلله ،نشر لحقائق مقلوبة ، دعاية رخيصة ،وما يقبضونه من أموال مقابل استرزاقهم وصفقات مبيعاتهم وحقوق من أهدرت كرامتهم واستبيح ذمهم بعدما كانوا الملجأ والمأوي وبعد أن صدعت تلك الحناجر المبحوحة اليوم بآيات الولاء والوفاء والتقرب لهم. لا معني لهذا سوي أن من ينسحب من حزب معارض هذه الأيام وقبلها بأشهر وسنوات يكون بمثابة البائع المتجول أو "التبتاب" علي الأصح ( بعبارة المجتمع) ، وإلا فكيف نفهم أنك أيها البائع عهدك وكرامتك ووعدك قد حصلت علي ماهو أفضل من ذلك ؟ هل كان المال يوما عند الموريتانين مدعاة للتذلل والكذب والنفاق ؟ هل يكافؤ الحزب الذي أنزلك منازله العليا بالتهجم عل خطه ونهجه؟ لقد رأينا الأثمان تدفع هنا وهناك :
منصب في وزارة لو كنت جديرا به لما احتجت للتخلي عن فكرك وقناعتك مقابله ..!
تمويلات صغيرة ، ترشيح انتخابي ، ودراهم معدودة كلها أثمان بخسة في مقابل كرامة الإنسان وقيم الصدق والوفاء لديه.
ما أعظم ألائك الرجال والنساء الذين خرجوا ويخرجون من مصيدة النظام و مناصبه في الدولة وأموال الشعب المهدورة من أجل الوقوف مع الحق مهما كان الثمن في مقياس البعض كبيرا ..!
تري..! ما رأي الشرع والفقه في نازلة المنسحبين من أحزابهم مقابل منصب في الدولة أو تمويل (هو في الأصل إعانة خارجية لجياع الشعب) أو مال منهوب من خزائن الشعب ؟ وكم يلزمهم تعويضه من ثمن البيع ؟ وهل ربح البيع أم خسر؟