دروس من جائحة كورونا : الحلقة الثالثة (كورونا و الآثار الاقتصادية)
تناولنا في الحلقتين الأولى و الثانية على التوالي تحدي هذا الفيروس الغريب لغطرسة الإنسان و استبداده واستهدافه لطريقة حياته في أدق تفاصيلها،و مسلكياته و نظمه في أوضح تجلياتها، ليقنع الجميع أن "من " هز الإنسان في عرشه و إيوانه وأخضعه لأسلوبه وسلطانه، قادر بسر رباني عجيب أن يهزه في اقتصاده و منعته وتجارته وصولجانه فحجر المال و الأعمال ، وحجز التجارة والصناعةو شل قطاع الخدمات و قطع الطريق بين دول الشرق و الغرب كما بين دول الجنوب و الشمال، مما أدى إلى ظهور بوادر كساد عالمي رهيب ، ومؤشرات أزمة اقتصادية يصعب التخلص من آثارها في الأمد القريب ، نذكر بعض ملامحها في النقاط التالية :
1 - فعلى المستوى الاقتصادي شل هذا الوباء المخيف الدورة الاقتصادية في مختلف دول العالم من
خلال تسجيل أكبر تراجع للناتج المحلي الإجمالي وكذامن خلال أكبر تراجع لقيمة السلع والخدمات منذ أزمة 2008حسب آخر تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي للتنمية، و من خلال تراجع سعر النفط إلى أدنى سعر شهده السوق منذ يونيو 2001 ،وبتفشي الوباء لفترةأطول قديزداد انخفاض معدل الناتج العالمي إلى03 % مع نهاية 2020 حسب صندوق النقد الدولي نتيجة الإجراءات الاحترازية المتلاحقة في مختلف دول العالم و مانجم عنها من زيادة وتيرة الاستهلاك على حساب عملية الإنتاج ، و تقلص مستوى المدخرات بالمقارنة مع حجم النفقات
2 - و على المستوى التجاري؛ فقد دقت منظمة التجارة العالمية ناقوس الخطر بفعل تفشي هذا الوباء حين أشارت الى توقعات بانخفاض المعاملات التجارية بنسبة تتراوح ما بين 13 و 32% خلال العام الجاري وهو انخفاض قد يتجاوز الركود التجاري 2009/2008 نتيجة الشلل المتعاظم الذي أصبح يطال العديد من أنشطة الإنتاج و التصدير و الاستيراد بسبب قرارات الإغلاق التي اتخذتها مختلف دول العالم لمحاربة تفشي الوباء و ما ترتب عنهامن تقلص في حجم الطلب وبالنتيحة تقلص في مستوى الانتاج وغلق للأسواق و تسريح لليد العاملة المنتجة
3 - أما على المستوى الصناعي فقد خلق الوباء جوا من الخوف على الأنفس قبل الممتلكات واهتمامابضرورات الحياة قبل الكماليات مما جعل الاقبال على التصنيع يتراجع إلى أدنى مستوياته فأغلقت المصانع وازدادت الخسائر مؤذنة بانكماش حاد في الإنتاج و تراجع كبير في الصادرات وسط مؤشرات اقتصادية تنذر بصعوبات جمة تمس كل اقتصاديات العالم بما فيها الدول المتقدمة رغم حزم التحفيز و المساعدات التي ما انفكت تعلن عنها بعض الدول الصناعية من حين لآخر لمساعدة الشركات الصناعية الكبرى على مواجهة تداعيات الجائحة من إغلاق و تسريح و خسارة
4 - و على مستوى قطاع الخدمات ؛ سجل النقل أعلى نكسة في تاريخه وبنسبة كسرت حاجز 90% نتيجة استشراء هذا الوباء واستفحاله ومانجم عنه من هلع وحجر وغلق للحدود البرية و الجوية والبحرية بين مدن الوطن الواحد ناهيك عن الحدود بين الدول و القارات مما ألقى بظلاله على الدورة الاقتصادية برمتها في مختلف دول العالم نتيجة تسريح آلاف عمال القطاع وغلق مختلف المطارات و المحطات و نقاط العبور للحد من تفشي هذه الجائحة .
أماعلى مستوى السياحة فقد أنعكس جو الريبة العام والتوجس من مخاطرالعدوى على نفسيات السواح و عزوفهم عن منطق الترفيه و التفسح بالإضافة إلى شلل قطاع النقل الذي انعكس بدوره على كساد القطاع، بالإضافة إلى تداعيات غلق المنتجعات والمنتزهات و المطاعم و الفنادق و كذا المتاحف و الساحات العموميةعلى هذا المجال الحيوي المهم نتيجة الخوف المتزايد من تفشي الوباء مما انعكس سلبا على اقتصاديات دول العالم بما فيها الدول المتقدمة .
لقد خلقت جائحة كوفيد 19 أزمة عالمية متعددة الأبعادوالأقطاب تجاوزت المستوى النفسي إلى المستوى الاجتماعي و الاقتصادي لدرجة يمكن أن نسجل معها أكبر أزمة شهدها العالم في عمقه الوجودي و الإنساني، فهل ستشكل هذه الأزمة العالمية وخزة لتنبيه الغافلين والمفسدين ودرسا لتلقين المستبدين و الطغاة المتغطرسين؟ أم أنها ستنحو بالعالم نحوا آخر و في منحى آخر وترسو به رسوا آخر و في مرسى آخر ؟
ذلك ما سنحاول التعرف على بعض ملامحه بحول الله و قوته بعد سبر أغوار الآثار النفسية لهذا الوباء على الأفراد و المجتمعات قبل تفشي الجائحة وبعدها . فما هي هذه الآثار إذن؟
عبد الوهاب ولد محفوظ ولد احمد ويس